حرف الضاد 0 حرف حيّر الباحثين قديما وحديثا

الضاد هو* الحرف الخامس عشر من حروف الهجاء " [1]

ويجتمع لها من الصفات ما لا يجتمع لغيرها من الحروف الأخرى فهي " مجهورة ، رخوة ، مطبقة ، مستعلية ، مستطيلة "[2]وربما اتفقت مع بعض الحروف الأخرى في بعض الصفات إلا أنها تنفرد بصفة (الاستطالة ) والحرف المستطيل" هو الضاد المعجمة سميت بذلك لأنها استطالت على الفم عند النطق بها حتى اتصلت بمخرج اللام وذلك لما فيها من القوة بالجهر والإطباق والاستعلاء  واستطالت في الخروج من مخرجها "[3] 0

 وهي مجهورة كما تقدم ، والمجهور ، حرف قوي منع النفس أن يجري معه عند النطق به لقوته وقوة الاعتماد عليه في موضع خروجه 40

وهي رخوة ، والرخاوة في الصوت حالة ينحبس فيها الهواء عند مخرج الصوت انحباسا ناقصا يسمح بمرور الهواء ، محدثا حركة احتكاكية تسمى بالرخاوة 5[4]0

وهي أيضا ، مطبقة ؛ والإطباق ، أن ترفع في النطق طرفي اللسان إلى الحنك الأعلى مطبقا له فيفخم نطق الحرف " [5] 0 فهي إذن من حروف التفخيم ،وإطباقها متوسط 0

وهي مستعلية ، والاستعلاء هنا صعود اللسان وارتفاعه وهو خلاف الاستفال، "وسميت الضاد بذلك لأن الصوت يعلو عند النطق بها إلى الحنك فينطبق الصوت مستعليا بالريح مع طائفة من اللسان مع الحنك " [6] 0

وقد عدها الخليل من الحروف الشجرية ـ الجيم والشين والضاد حيث تحتل هذه الحروف حيزا واحداـ لأن مبدأها من شجر الفم أي مفرج الفم أي مفتحه [7]، والشجر ، مجمع اللحيين عند العنفقة [8] 0 يقول الخليل :

والجيم والشين ثم الضاد معجمة                   والصاد والسين ثم الزاي والطاء

مخرج الضاد

ورد العديد من التعابير التي تبين مخرج الضاد ، وعلى الرغم من الاختلاف اليسير في التعبير إلا أن مصبها في النهاية واحد وهو المخرج الحقيقي لحرف الضاد وربما يبدو للوهلة الأولى أن هناك تناقض بين الأقوال فيما يخص مخرج الضاد إلا أن الأقوال في مجموعها تعطي حقيقة هذا الحرف العجيب والفصل  واسميه الفصل لأن به تعرف حقيقة الفصاحة من عدمها لدى الناطقين به ، فقد أطلق العرب مسمى الجزء وأرادوا به الكل فقالوا عن اللغة العربية : لغة الضاد ، ولم يفعلوا ذلك إلا بعد دراسة مستفيضة وتحر دقيق عن دقائق هذا الحرف الذي حير الباحثين قديما وحديثا بل وأجهد المتعلمين الذين حاولوا تعلمه على الكبر ،فلا غرابة أن يعمد العرب قديما إلى إلحاق أبنائهم بالبادية ليتعلموا الفصاحة لأن مطلبها على الكبر عسير ،  وسيتبين ذلك من خلال ما سأورده لاحقا عن هذا الحرف ،

عند الخليل شجرية أي تخرج من شجر الفم أي مفرجه وهو مفتحه [9]، وعند سيبويه من بين أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس [10]  ويوافق ابن جني سيبويه ويزيد : إلا أنك أن شئت تكلفتها من الجانب الأيمن وأن شئت من الجانب الأيسر[11]،وخروجها من الأيسر أيسر ، وخالف الجاحظ فقال : " فأما الصاد فليس تخرج إلا من الشدق الأيمن إلا أن يكون المتكلم أعسر يسرا مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخرج الضاد من أي شدقيه شاء  12" [12]، ومن خلال بحثي في هذا الموضوع وجدت الكثير من الكتاب تعرضوا لمقالة المستشرق الألماني براجستراسر في محاضراته التي ألقاها في الجامعة المصرية سنة 1929م والتي تحدث فيها عن حرف الضاد قائلا : "وأما رابعها وهي الضاد ، فهي الآن شديدة عند أكثر البدو ومع ذلك فليس لفظها البدوي الحاضر نفس لفظها العتيق ؛ لأن مخرج الضاد في جدول المخارج من حافة اللسان ، ومن القدماء من يقول من جانبه الأيسر ومنهم من يقول من الأيمن ومنهم من يقول من كليهما فمخرجها قريب من مخرج اللام الذي هو أيضا من حافة اللسان وذلك يدل على أن الضاد كانت  تشبه اللام من بعض الوجوه والفرق بينهما هو أن الضاد من الحروف المطبقة كالصاد وأنها من ذوات الدوي واللام غير مطبقة صوتية محضة ؛ فالضاد العتيقة حرف غريب جدا ، غير موجود حسبما اعرف في لغة من اللغات إلا العربية ولذلك كانوا يكنون عن العرب بالناطقين بالضاد ، ويغلب على ظني أن النطق العتيق للضاد نطقا قريبا منه جدا عند أهل حضرموت وهو كاللام المطبقة ويظهر أن الأندلسيين كانوا ينطقون الضاد مثل ذلك ولذلك استبدلها الأسبان بالـ (LD   ) في الكلمات العربية المستعارة في لغتهم مثال ذلك كلمة القاضي صارت في الإسبانية ( ALCALDE  ) ومما يدل أيضا على أن الضاد كانت  في نطقها العتيق قريبة من اللام أن الزمخشري ذكر في كتاب المفصل أن بعض العرب كانت  تقول:ج ( الطجع )  بدل ( اضطجع ) 0 ونشأ نطق الضاد عند البدو من نطقها العتيق بتغيير مخرجها من حافة اللسان إلى طرفه ونطقها عند أهل المدن نشأ من هذا النطق البدوي بإعماد طرف اللسان على الفك الأعلى بدل تقريبه منه فقط فصار الحرف بذلك في نطقه شديدا بعد أن كان رخوا " [13]وعليه يرى براجستراسر أن هذا تطو رفي الحرف حسب حالة معينة ، وهذه وجهة نظر لا تخلو من الصواب ، إلا أننا نصطدم بحقيقة لامفر منها وهي ، أن حرف الضاد لابد أن يخرج كما فصل فيه العلماء الأولون وإلا حدث خلل ليس في الكلام العادي ولكن عند قراءة القرآن الكريم وليس في حالات الضاد كافة ولكن في حالات الضاد  الساكنة ، ولم اكتف بما كتبه الكتاب عن هذا الحرف بل ذهبت أستقصيه فاستمعت إلى قراءات كبار القراء مدققا الاستماع  ثم سألت عن افضل المتمكنين في قراءة القرآن وتعليمه وإخراج حروفه من مخارجها بالطريقة المثلى ، والتقيته ش وتحدثت معه حديثا مطولا عن هذا الحرف وناقشنا أوضاعه حسبما ورد عنه من أوصاف عند العلماء فتبينت حقيقته مشافهة ، ووجدت أن الضاد التي ننطقها بالصوت  المعروف في مصر وبلاد الشام غير صحيحة بل هو الصوت البديل والأسهل للضاد الحقيقية او العتيقة كما سماها براجستراسر ، ولذلك فإن صوت الضاد الحقيقي ينتج عن قرع حافة اللسان أصول الثنايا العليا من  الجهة اليسرى على الأكثر واليمنى على الأقل ، وبالتحديد فأن اللسان يقرع أصول ثلاثة من الأسنان هي ( الرباعي، والناب ، والضاحك ) وهي الأسنان الثلاثة التالية للثنايا يمنة ، أو يسرة وهنا يظهر حرف الضاد الحقيقي المعروف عند العرب قديما وهو يشبه إلى حد ما حرف الضاد الذي ينطق في مصر وبلاد الشام اليوم ولكنه ليس هو ، لأن الحرف المنطوق اليوم يخرج نتيجة لالتصاق بطن اللسان أو معظمه بالسقف الملاصق لأصول الثنايا فربما خرج ممزوجا بالدال ، أو الطاء ، أو اللام ، مع أن ما فصله العلماء فيه يعطيه الوضع الأتم " واعلم أن هذا الحرف ليس من الحروف حرف يعسر على اللسان غيره والناس يتفاضلون في النطق به فمنهم من يجعله ظاء مطلقا لأنه يشارك الظاء في صفاتها كلها ويزيد عليها بالاستطالة فلولا الاستطالة واختلاف المخرجين لكانت  ظاء وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى لمخالفة المعنى الذي أراده الله تعالى ؛ إذ لو قلنا : ( الظالين ) بالظاء كان معناه الدائمين وهذا خلاف مراد الله تعالى  وهو مبطل للصلاة لأن الضلال بالضاد هو ضد الهدى كقوله تعالى : " ضل من تدعون إلا اياه "   الإسراء 67 و " ولا الضالين " الفاتحة 7  ونحوه بالظاء هو الدوام كقوله تعالى :" ظل وجهه مسودا " النحل 58  وقد حكى ابن جني في كتاب التنبيه وغيره أن من العرب من يجعل الضاد ظاء مطلقا في جميع كلامهم وهذا غريب وفيه توسع للعامة ، ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها بل يخرجها دونه ممزوجة بالطاء المهملة لا يقدرون على غير ذلك 000 ومنهم من يخرجها لاما مفخمة 000 وإذا أتى بعد الضاد حرف إطباق وجب التحفظ بلفظ الضاد لئلا يسبق اللسان إلى ما هو أخف عليه وهو الإدغام كقو له تعالى : " فمن اضطر " البقرة 173 ، وقوله : " ثم اضطره " البقرة 126 ، وإذا سكنت الضاد واتى بعدها حرف من حروف المعجم فلا بد من المحافظة على بيانها وإلا بادر اللسان إلى ما هو أخف منها نحو قو له تعالى : " أفضتم "   198  البقرة  ، وقو له : " خضتم " 69 التوبة " [14] ويرى ابن كثير في تفسيره خلاف ما يراه ابن الجزري في تمهيده فيرى : "أن الصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير مابين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما ، وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس ، ومخر ج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك " [15] ، وخلاصة القول : فإن حرف الضاد من الحروف التي يجب تعليمها من الصغر للناشئة حتى لا تثقل عند الكبر ، وحرف الضاد من الحروف التي من حقها الإظهار وقد تبدو سهلة عندما تكون متحركة ولكن صعوبتها تكمن عند النطق بها ساكنة ونجد ذلك في مثل قو له تعالى " فمن اضطر " 173 البقرة ،  و" ثم اضطره " 126 البقرة ، و " أفضتم " ، و" خضتم " 69 التوبة ،و" ولا تنسوا الفضل بينكم " ففي هذه الكلمات لابد من إظهار حرف الضاد ساكنة واضحة دون وقف ، وهي هنا معيار لقدرة القارئ على النطق بحرف الضاد بالشكل السليم ، وهذا الإجراء لا يتسنى إلا لمن أكثر الدربة على النطق بهذا الحرف على وجهة الأمثل 0

setstats1


 

الهوامش

·        جاء في المصباح المنير للفيومي ص 50 ما نصه " وحرف المعجم يجمع على حروف 0قال الفراء وابن السكيت : وجميعها مؤنثة ولم يسمع التذكير منها في شيء ويجوز تذكيرها في الشعر ، وقال ابن الأنبا ري : التأنيث في حروف المعجم عندي على معنى الكلمة والتذكير على معنى الحرف ، وقال في البارع : الحروف مؤنثة إلا أن تجعلها أسماء فعلى هذا يجوز أن يقال : هذا جيم وهذه جيم وما أشبهه "  فلا تستغرب أيها القارئ الكريم إذا رأ يت الوجهين في هذا المقال 0

 

[1]المعجم الوسيط  532:1 مجمع اللغة العربية  القاهرة    0 المكتبة الإسلامية 0 استانبول 0تركيا

 

[2] التمهيد في علم التجويد / محمد بن محمد بن الجزري  0تحقيق 0د 0علي حسين البواب   ص 130 مكتبة المعارف  0

 

[3] المصدر السابق ص  96

4  نفسه  ص  87

[4]  أنظر المعجم الوسيط  مادة رخا 0

[5]  نفسه  مادة  أطبق

[6]  التمهيد في علم التجويد   ص  96

[7]   كتاب العين  0 الخليل بن احمد الفراهيدي   1: 58 تحقيق د 0 مهدي المخزومي و د 0 إبراهيم السامرائي 0

[8]   التمهيد ص 87

[9]   العين  1: 58

[10]   المعجم الوسيط  1: 532

 

[11]  سر الصناعة   لابن جني  1: 52

12  يبدوا أن في العبارة تصحيف ، حيث مكتوب ( فأما الصاد ) بدلا من الضاد ، وفي آخر العبارة(  كان يخرج الضاد ) ومخرج الصاد من الجانب الأيمن ؛ وهذا ينفي عن الجاحظ المخالفة   0

13  البيان والتبيين  لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ   1: 33، 34 0

ج  -  يشير إلى ما أورده ابن جني في الخصائص   1 :263   من قول منظور بن حبة الأسدي :

يارب أباز من الفــقر صدع                                تقبض الذئب إليه وا جتـــــــمع

لما رأى أن لا دعة ولاشبع                                 مال إلى أرطاة حقف  فا لطجع

[13]  التطور النحوي 0 براجستراسر  0 ص 19 أخرجه 0رمضأن عبد التواب 1402 هـ مكتبة الخانجي 0 القاهرة 0

ش    -   هو الشيخ /حضرة نور      مدرس القران الكريم بابها 0

[14]   -   التمهيد        130

[15]  تفسير القرآن العظيم    0    ابن كثير     1 : 27  المكتبة    بيروت 0

 

 

 

كتبه أحمد بن ناصر الرازحي   **** ونشر في المجلة العربية** السعودية

Alrazhi60@hotmail.com

موقعي على الإنترنت  http://www.alrazhi.arank.com/